أخبار وطنية أحداث دوز : ضعف دولـة أم جــسّ نـــبــض داعـــشـي؟
انطلقت القصة باعتصام مجموعة من شباب منطقة دوز أمام احدى الشركات البترولية، وتزامن هذا الاعتصام مع حملة أسالت الكثير من الحبر ونقصد بذلك «وينو البترول؟»، لكن الأمر لم يقف عند هذا الحد حيث تطورت الأحداث بسرعة جنونية لتصل حدّ حرق مراكز أمنية وايقافات في صفوف المحتجين.. وكرّ وفرّ بين الأمن والمحتجين، وصولا الى اشعال نيران النعرات الجهوية ومحاولة التقسيم وتشتيت الصفوف.. الإحتجاجات التي شهدتها مدينتا دوز وقبلي ولئن يرجح البعض أنها كانت عفوية في بادئ الأمر، فإن التصريحات تضاربت فيما بعد حولها حيث كثرت الاتهامات وتوجيه سهام النقد والتشكيك، ففي حين رأى البعض أن أطرافا سياسية استغلت حالة الفوضى خدمة لأجندات معينة تخدم مصالحها الحزبية الضيقة، رأى آخرون أن ما يعيشه الجنوب التونسي ماهو الا عمليات جسّ نبض من قبل العناصر التكفيرية وتحديدا من قبل الدواعش تمهيدا للدخول للتراب التونسي، أما الشق الآخر فرأى أن هذه الأحداث هي أكبر دليل على فشل وضعف الدولة سواء من ناحية عجزها على امتصاص الغضب الشعبي أو من ناحية عدم تحاورها مع المحتجين ومحاولة ايجاد حلول عاجلة لايقاف هذا النزيف.. وهذه الشرارة التي قد تتحول في القريب العاجل الى نيران هالكة خاصة أن تنظيم داعش بات على مرمى بعض الكيلومترات .
أخبار الجمهورية رصدت بعض القراءات حول هذه الأحداث..
محمد علي العروي: هناك أطراف تسعى الى إدخال البلاد في حالة من الفوضى
أكد الناطق الرسمي لوزارة الداخلية محمد علي العروي في تصريح خص به أخبار الجمهورية أن ما يحدث في قبلي ودوز وغيرهما من مناطق الجنوب التونسي أمر غير مقبول، مضيفا أن وزارة الداخلية تساند كل الاحتجاجات السلمية لكنها ضدّ تحول هذه الاحتجاجات الى اعتداءات وتخريب للممتلكات العامة والخاصة، مبينا وجود أطراف تسعى الى ادخال البلاد في حالة من الفوضى وعدم الاستقرار وخلق مناطق بها فراغ أمني من شأنه أن يخدم مصالحها .
وذكر محمد علي العروي أن وزارة الداخلية تدعو كل الأطراف الى تغليب المصلحة الوطنية، مبينا أن حماية تونس هي مسؤولية الدولة بجيشها وأمنها وحرسها وهي كذلك مسؤولية كل مواطن .
وأشار الناطق الرسمي لوزارة الداخلية إلى أن تنظيم داعش احتل مناطق كبيرة من ليبيا ولم يعد يفصله عن تونس الكثير مبينا أنه لا يجب خلق مناطق تكون سهلة الاختراق من طرف الجماعات الإرهابية.
عصام الدروري: المطلوب صدّ الابواب أمام اقامة دولة الخلافة الداعشية
أكد رئيس المنظمة التونسية للأمن والمواطن عصام الدردوري أنه لا يمكن لأي شخص أن يحجر على المواطن الحق في الاحتجاج السلمي والمطالبة بمعرفة مصير وكيفية التصرف في ثرواته الوطنية، مشيرا في المقابل الى أن تحول هذه الاحتجاجات الى غنيمة تستغل من قبل الجماعات المخربة للنيل من الاستقرار أمر مرفوض مطالبا الدولة بأن تحرص على تطبيق القانون على كل المارقين عنه .
وذكر محدثنا أن الأحداث التي شهدها الجنوب التونسي مؤخرا ليست معزولة وانما تعدّ امتدادا لمجموعة من التحركات التي حصلت في فترات سابقة ..
ولئن أكد الدردوري أن الجنوب التونسي يشكو من التهميش وغياب التنمية مثله مثل بقية الجهات الداخلية فانه بيّن أن التخريب الموجه والممنهج الذي يستهدف المركز الأمنية وخاصة الحدودية المتقدمة لا يمكن أن يحل هذه المشاكل كما أنه لا يخدم سوى مصلحة التكفيريين والجماعات الارهابية التي تبحث عن استغلال مثل هذه الفوضى والانفلات الامني ليس فقط لفكّ العزلة عن بعض عناصرها وادخال السلاح وانما أيضا لاحكام سيطرتها على تلك المناطق وبسط نفوذها عليها بمجرد التأكد من هشاشة الوضع وغياب مقومات الدولة على حدّ تعبيره .
وأفادنا عصام الدردوري أنه ولئن كان يقرّ بأحقية أهالي الجنوب في الاحتجاج السلمي، فانه يشك في امكانية تصديهم وتفطنهم للدخلاء الذين يسعون لتحريف مسار الاحتجاجات لخدمة أجنداتهم سواء كانت السياسية أو الارهابية اعتبارا لاستثنائية الظرف الزمن والموقع الجغرافي .
وبين محدثنا أن عودة الوحدات الأمنية الى مقرّات عملها بعد انسحابها هو المطلوب لأن دواعش ليبيا يتربصون بتونس وأصبحوا يبحثون عن ايجاد الفرصة السانحة لدخولها انطلاقا من حدودها الجنوبية .
وختم محدثنا كلامه بالتأكيد على أن متساكني الجنوب يلعبون في هذه المرحلة دورا هاما في التصدي لمخاطر الجماعات الارهابية، مشيرا الى أن الدولة مطالبة بالتدخل الفوري لبعث بصيص من الأمل للمهمشين ببعث مشاريع تنموية بالمناطق الحدودية حتى لا يبقى أي مبرر للعنف والتخريب من طرف بعض المحتجين وقال: «نحن أمام تطبيق التكفيريين لشوكة الإنهاك والتمكين التي تمهد للفوضى التي تخدم بدورها مشروع اقامة دولة الخلافة الداعشية المعادية للانسانية».
علي الزرمديني: الفوضى هي تمهيد لاندساس العصابات
من جهته استبعد الخبير الأمني العميد علي الزرمديني أن تنطلق احتجاجات واضطرابات في تلك المناطق بالجنوب التونسي وبتلك الكيفية والحدّة، خاصة أن اهالي هذه المناطق مشهود لهم بالرصانة والتعقل وهو ما لمسه طيلة فترة عمله هناك، مبينا أن هذه الطبيعة تضعنا أمام عديد الاحتمالات أولها وقوف أطراف تسعى الى إشعال النار خدمة لمصالح ذاتية وخاصة، ثانيا استغلال هذه الاحداث من قبل الدواعش الذين يسعون الى خلق حالة من الفوضى حيث يسهل لهم التحرك والوجود، مؤكدا أن العناصر الارهابية عادة ما تسعى الى خلق بؤر توتر ومناطق نزاع حتى تتمكن من التوسع والانتشار .
وبين محدثنا أنه من الطبيعي جدا أن تمهّد هذه الفوضى الى اندساس عصابات من كل الأنواع سواء كانت الارهابية او الاجرامية .
وأكد علي الزرمديني أن وجود تونس في وضع اقليمي يتميز بفقدان الجارة الشرقية لكل مقومات الدولة، يجعل من مراقبة الحدود مرتكزا على جانب واحد وهو ما يدعم وجود الأطراف المتشددة داخل مناطق الجنوب، مشيرا الى أنه اذا تمكنت العناصر التكفيرية من الوصول الينا فانها ستنتشر في كامل البلاد
وذكر محدثنا أن خلق بؤر التوتر وانتقالها بالتوازي مع ليبيا، يحتم على بلادنا أخذ الحيطة من اندلاع أي شرارة قد تمهد لاندلاع النار .
أما عن الحلول فأفادنا العميد الزرمديني أن الحل الأولي هو جهوي ومحلي ويكمن في انتصار قوى الخير على قوى الشر مؤكدا أن الحل مجتمعي من خلال تماسك القوى المجتمعية ونبذ كل أشكال العنف اضافة الى الحوار والاستماع والتعامل بواقعية مع مشاكل أهالي الجنوب
كما أكد محدثنا أن العناصر الأمنية مطالبة بالتصدى لكل من تخول له نفسه المس من هيبة الدولة، وعدم الخوف من ردة فعل كل من أساء للبلاد ..
مازن الشريف: بعض الأطراف استغلت ضعف الدولة
أما الخبير الأمني مازن الشريف فذكر أنّه بعد أحداث قبلي ودوز وجد الأمن التونسي نفسه في موقف محرج، فمن جهة هو مطالب بالتصدي للمحتجين ومن جهة أخرى مطالب بعدم استعمال القوة والعنف، مؤكدا أن هذا الاشكال يعد عميقا جدا.
وأكد من جهة أخرى أن هذه الأحداث تنم عن ضعف لمؤسسات الدولة والذي استغلته بعض الأطراف لصالحها، مشيرا الى أنه من حق أهالي الجنوب الاحتجاج لكن هذه الاحتجاجات الشرعية وقع استغلالها من قبل مندسين سواء كانوا من المهربين أو من العناصر التكفيرية وذلك خدمة لمصالحهم ..
وذكر أنه لا يمكن للمحتجين أن يقدموا على حرق مراكز الأمن ليلا وهو ما يؤكد أن أشخاصا مشبوهين وتم تكليفهم بمهمة هم من أقدموا على أعمال التخريب والاعتداء على الممتلكات العامة، مضيفا أنه لا بدّ من توفر وسائل ردعية لأن الوضع يتأزم .كما طالب الجيش الوطني بضرورة التدخل، وطالب الدولة بالبحث عمن يتفاوض مع المحتجين ويكون من عقلاء المنطقة.
يسري الدالي:الدولة خلقت عدوا داخليا
من جانبه أكد الخبير الأمني يسري الدالي أن ما يشهده الجنوب التونسي خطير جدا ووصفه بالتحضير الاستخباراتي للدواعش، وذلك حتى يتمكنوا من ايجاد حليف لهم بمجرد دخولهم التراب التونسي.
وذكر الدالي أن الدولة التونسي خلقت عدوا داخليا لها وذلك نتيجة استعمال القوة والعنف بطريقة مبالغ فيها وعدم الاستماع لمشاكل هذه المناطق وعدم الرغبة في ايجاد حلول عاجلة، وبالتالي من الطبيعي أن يتحوّل هؤلاء الى اعداء للدولة ويسهل استقطابهم لأنهم سيبحثون عن البديل
واستشهد الدالي بطلب سهير بن حسن التدخل الفرنسي لانقاذ تونس لأنها شعرت بالقهر والظلم، نفس الأمر بالنسبة للمحتجين الذي سيلتجئون الى البديل من أجل انقاذهم..
وأكد الدالي أنه طالب وخاصة الاطارات الامنية التي درسها في السابق بصرورة عدم خلق أعداء داخل الدولة.
وذكر محدثنا أن الدولة مطالبة كذلك بعدم استعراض عضلاتها والعودة الى القمع البوليسي، بل بالقدرة على الاقناع والاستماع والتفاوض وحل الملفات وخاصة المتعلقة بالفساد وبالتالي تبرهن حسن نيتها، مشيرا الى استعادة الهيبة لا يكون بالعنف والقمع.
وبين يسري الدالي أن تونس مازالت هشة ولو تواصل الأمر على ما هو عليه ستنقسم وتتشتت، مطالبا المعارضة والحكومة والمجتمع المدني بالالتفاف حول طاولة الحوار للتصدي للخطر الداعشي القادم.
اعداد: سناء الماجري